المشاكلة وسر جمالها
منه المشاكلة وهي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقا أو تقديرا أما الأول فكقوله
{وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} ففي ه1ذه الأية الكريمة من سورة المائدةالمراد: ولا أعلمُ ما عندَكَ،وعبَّرَ بالنفسِ للمشاكلةِ، ونحو قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (19) سورة الحشر ، أي أهمَلهُم،ذُكرََ الإهمالُ هنا بلفظِ النسيان ِلوقوعهِ في صحبتِه. وكقوله تعالى : {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (194) سورة البقرة ، وقوله تعالى : {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (30) سورة الأنفال ، وهو كثير جدًّا في القرآن الكريم
ومنْ ذلكَ ما حُكيَ عن أبي الرقمع(4): أنَّ أصحاباً له أرسلوا يدعونهُ إلى الصبوح ِفي يوم باردٍ، ويقولون لهُ: ماذا تريدُ أنْ نصنعَ لكَ طعاماً؟ وكانَ فقيراً، ليسَ له كسوةٌ تقيهِ البردُ، فكتب َإليهم يقولُ:
وعِصابةٍ عزموا الصَّبوحَ بسَحْرةٍ ... بعثوا إليَّ مع الصّباحِ خُصوصا
قالوا: اقترحْ لوناً نُجيدُ طبيخَه ... قلت: اطبخوا لي جُبّةً وقَميصا
أي: خيّطوا لي جبّةً وقميصاً، فأبدلَ الخياطةَ بلفظِ الطبخِ لوقوعِها في سياقِ طبخِ الطعامِ.
وكقول أبي تمام (5):
منْ مبلغٌ أفناءَ يَعْربَ كلَّها إني ابتنيتُ الجار قبل المنزلِ
وكقول عمرو بن كلثوم (6):
أَلاَ لاَ يَجْهَلَنَّ أَحَدٌ عَلَيْنَا فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِيْنَا